هكذا واجه “الريافة” الأحرار القمع المغربي

يعترف المسؤولون في المغرب بحقيقة ما يجري في منطقة “الريف” التي تواجه العزلة والتهميش ويتعرض سكانها لممارسات عنصرية ويحرمون من أبسط الحقوق في الحرية وفي التنمية والعيش الكريم بعدما أغرقهم المخزن في زارعة القنب الهندي واضطر الكثير منهم على الهجرة إلى أوربا، فمنطقة “الريف” التي عادت إلى الاحتجاج منذ سنوات، بعد سحق سماك الحسيمة، تختزل لوحدها نفاق نظام محمد السادس الذي يحاول إذكاء نيران الفتنة في دول الجوار، وفي مقدمتها الجزائر.

يصر النظام المغربي على إعطاء انتفاضة “الريف” صبغة مطلبية محصورة في مسائل الشغل والعزلة… إلخ، في حين أن ما يجري في المنطقة أكبر من هذه المسألة، ظهر بشكل واضح خلال انتفاضة الحسيمة التي اندلعت بعد “طحن” بائع السمك، الشاب محسن فكري في شاحنة للقمامة، حراك ارتبط بنزعة استقلالية تعود إلى السنوات الأولى لاستقلال المغرب وحتى إلى العهد الاستعماري، فمنطقة “الريف” واجهت أبشع عمليات القمع التي قادها الحسن الثاني قبل وبعد أن اعتلى العرش خلفا لوالده الراحل محمد الخامس.

لقد كتبت “مغرس بريس” على موقعها الالكتروني بمناسبة مرور 50 سنة على انتفاضة الريف، تقول: “رغم مرور 50 سنة على انتفاضة الريف 1958-1959، لا زالت الجراح التي خلفتها لم تندمل بعد، نظرا للقمع الوحشي الذي تعرض له أبناء الريف في نهاية الخمسينات من طرف جيش النظام المخزني (القوات المسلحة) بقيادة مولاي الحسن الذي سيصبح فيما بعد الملك الحسن الثاني فيحكم البلاد بقبضة من حديد، رفقة جنراله القوي آنذاك أوفقير من قتل وتعذيب واغتصاب واختطاف…”، وكتب موقع الكتروني مغربي آخر يقول في وصفه لجرائم النظام المغربي خلال قمعه لثورة الريف بـ”آيث بوقبارن بالريف”: “لم تكن هذه الأعمال الإرهابية وغيرها التي كان يرتكبها جنود المخزن وميلشيات حزب الاستقلال وحزب الإصلاح الوطني أن تمر دون أن ترغم سكان الريف والناجون من بطش (إمخزنيان ان علوي) على الهروب الاضطراري والعودة إلى مرتفعات الريف البعيدة عن قوى الشر المخزنية والحزبية، لحماية أنفسهم وحماية أبنائهم وبناتهم من الاغتصاب والاعتقال والاختطاف والتعذيب والقتل من طرف سفاحي “آيت بوقبارن”، وقد بقي هذا التاريخ من الهروب الاضطراري موشوما ومرسوما في الذاكرة الشعبية عند سكان الريف، ويعرف الآن بـ(عام ان ثورا) أي عام الهروب، الهروب من التعذيب المخزني والحزبي الذي بقيت ذكراه مشؤومة وموصومة العار في التاريخ المغربي الرسمي الاستعماري في بلادنا الأمازيغية، ولا تزال الذاكرة الجماعية عند أهالي الريف تحتفظ بأحداثها المأسوية والمؤلمة وتعبر عنه بـ(أعموذ ان يحيى)، للدلالة على التعذيب المبرح جدا الذي لقاه أهالي الريف على يد جنود الملك…«.

والحقيقة أن العلاقة بين “الريافة” والسلطات المركزية في المغرب، كانت دوما متشنجة، والطلاق بين الطرفين يعود إلى سنتي 1958 و1959، وتركزت مطالب سكان الريف حينها على التنمية ومحاربة التهميش والفقر المتفشي بمنطقتهم، والمشاركة في تسيير شؤون البلاد، رد عليها الرجل القوي في البلاد حينها “الأمير مولاي الحسن” بالرفض، وقوبلت احتجاجات “الريافة” بالقمع شديد وعنف منقطع النظير وحوصرت المنطقة برا وبحرا وتعرضت لهجوم عسكري، ولا يزال سكان الريف يتذكرون جيدا “عام اقبارن”، سنة الخوذات العسكرية، أو “أسكاس نتفاضيست”، فثورة الريف سنتي 58 و59 خاصة في منطقة آيت ورياغل، ظلت محفورة في أذهان جزء كبير من المغاربة الناطقين بالأمازيغية، فلم يهدا بركان الريف حتى وإن بدا خامدا لسنوات طويلة، ففي سنة84 شهدت المنطقة “ثورة” ثانية على المخزن خصوصا في الناظور والحسيمة، بسبب العوز الاجتماعي وبسبب الهوة السحيقة التي تفصل الريف عن باقي مناطق المغرب في مجال التنمية، واجهتها السلطة بالعنف والاعتقالات، وكما كان الشأن في ثورة 58-59، سقط عدد كبير من الضحايا برصاص الجيش المغربي، ولا يزال “الريافة” يتذكرون كيف خرج عليهم الملك الراحل الحسن الثاني بخطاب تاريخي وصف فيه سكان الريف بـ”الأوباش”، وهددهم بأن يذيقهم أسوأ مما أذاقهم ولي العهد من قبل، في إشارة إلى انتفاضة الريف الأولى.

 محاولات محمد السادس محو آثار سياسة والده من خلال إطلاق مشاريع تنموية في منطقة الريف، لم تكن كافية، فبقيت العلاقة متوترة بين هذه المنطقة والسلطة المركزية، والتي تعود إلى الفترة الاستعمارية، فالعلاقة بين العرش العلوي ومنطقة الريف لم تكن طبيعية حتى خلال هذه المرحلة، فقد قوبل طلب تقدم به المقاوم الكبير عبد الكريم الخطابي من المخزن المساعدة لطرد المستعمر بالرفض ما دفع بالأمير إلى الاعتماد على نفسه وتحرير مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة الفرنسيين، فاتهم بمحاولة الانفصال، ولجوئه إلى إعلان قيام الجمهورية في منطقة الريف سنة 1921، كان ردا على رفض العرش المغربي مساعدته، بحيث لم يكتف برفض المساعدة بل تواطأ وشارك الفرنسيين والاسبان  في قصف الريف بالكيماوي، وهي خيانة عظمى لا يمكن لشعب الريف أن يغفرها للنظام المغربي.

لقد زرع النظام المغربي عبر سياساته العدوانية بذور الفتنة حتى داخل المملكة، من خلال ممارسات عنصرية واقصائية مقيتة في حق سكان منطقة مقاومة عرف عنها جهادها البطولي ضد الاستعمارين الاسباني والفرنسي، واقع يترجم الأسباب الحقيقة لمحاولاته المخزن الرامية إلى زرع الفتن في دول الجوار، وسعيه المتواصل للاستثمار في الاضطرابات التي عرفتها بعض مناطق الجزائر وتحديدا ولاية غرداية من قبل ثم منطقة القبائل.

مصطفى ق.

 

#هكذا #واجه #الريافة #الأحرار #القمع #المغربي

- Advertisement -spot_img

Stay Connected

0المشجعينمثل
0أتباعتابع
0المشتركينالاشتراك

Related Articles

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا