بعد المُصادقة على مشروع القانون المؤطر للسنة المالية القادمة، تتجه الأنظار نحو قصر المرادية ترقبًا للقرارات الحاسمة التي سيحسم من خلالها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مصير حكومة نذير العرباوي، التي كثرت التكهنات والحديث بشأنها منذ الانتخابات الرئاسية التي نظمت في السابع من سبتمبر الماضي، لا سيما بعدما قرر الرئيس إطالة عمرها برفضه استقالة الحكومة ومطالبته باستمرارها في عملها.
ومن المسوغات التي تقف وراء تمديد عمر حكومة نذير العرباوي، الانشغال بالاحتفالات الرسمية بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير والاستعراض العسكري الضخم الذي أقيم عند جامع الجزائر الأعظم المطل على البحر الأبيض المتوسط والذي شهد حضور جماهيري ضخم ورؤساء دول مغاربية شقيقة على غرار تونس وموريتانيا والصحراء الغربية وضيوف شرف.
ومباشرة بعد انقضاء هذا الزخم، توجهت الأنظار من جديد نحو الحكومة المقبلة والأسماء التي سترافقه في تنفيذ طموحاته الاقتصادية التي رفعها خلال عهدته الثانية لا سيما ما تعلق بتقوية الدخل المحلي الخام وزيادة الاستثمارات، وتحولت الأسماء التي ستغادر الجهاز التنفيذي لأسباب تتعلق بالأداء إلى مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام.
وفي اللقاء الدوري الأول الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مع ممثلي الصحافة الوطنية منذ انتخابه لعهدة رئاسية جديدة، لفت تبون إلى أن تعديلا حكوميا مرتقب الإعلان عنه قبل نهاية السنة الجارية، وسيكون هذا بمجرد المصادقة على قانون المالية، وسيكون هذا وفقه لـ “ضمان انطلاقة جديدة”، مبديًا رغبته في إشراك أكبر وأفضل الكفاءات الوطنية في الحكومة القادمة، دون أن ينفي ترك الباب مفتوحا أمام بقاء الوزراء الذين أثبتوا جدارتهم وحققوا نتائج جيدة في قطاعاتهم.
ويدور حاليًا داخل أروقة الأحزاب ومبنى البرلمان نقاشا ساخنًا حول طبيعة الحكومة القادمة هل ستكون حكومة تكنقراطية على غرار الحكومات السابقة والحكومة الحالية؟ أم أنها ستكون حكومة سياسية موسعة، مشكلة لا سيما من الأحزاب المساندة له خلال رئاسيات السابع سبتمبر المنصرم وهو الأمر الذي حسمه الرئيس في لقائه الدوري الأخير مع ممثلي الصحافة الوطنية، وقال بلغة صريحة وواضحة إن “لا صلة بين مساندتها وبين تشكيل الحكومة، أنا كنت مترشحًا حُرًا”.
وبينما يبقى القرار الأول والأخير بيد القاضي الأول للبلاد، إلا أن القراءات المتواترة من بعض المحللين السياسيين تجمع على أن البلاد بحاجة لنموذج حوكمة جديد وهو ما اهتدى إليه أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة البروفيسور نور الصباح عكنوش، وقال في إفادة لـ “الجزائر الجديدة” إن “الجزائر وبالنظر إلى السقف الذي بلغته صارت في حاجة ماسة إلى نموذج حوكمة جديد، لأن أي حكومة أو مؤسسة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية جديدة تحتاج في عملها إلى آليات عمل مبتكرة أو لبيئة تتكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمعنى الشامل حتى ينعكس ذلك على أدائها في الواقع إيجابيا”، فالبلاد اليوم في حاجة ماسة إلى التسيير والتخطيط والتنبؤ لتفعيل عمل المؤسسات بشفافية وبفعالية لا سيما إذا أخذنا الاعتبار بالتحديات الداخلية والخارجية المحيطة بالبلاد”.
ويجزم البروفيسور نور الصباح عكنوش بأن القضية اليوم لا تتعلق بطبيعة الحكومة وبمن سيغادر أو سيبقى بل المسألة مرتبطة بأدائها، فالتحديات الكثيرة تتطلب التركيز على الأداء وعلى النخب حتى نتفاعل جيدًا مع رسائل المواطن وتُلبى احتياجاته، وفي الفترة الأخيرة أبدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عدم رضاه على التسيير الحكومي لبعض القطاعات، وألمح في اجتماع في اجتماع مجلس الوزراء السابق، إلى وجود حالة من التراخي في عزيمة العمل لدى بعض الوزراء، مطالبًا إياهم باستفاقة وانتباه وتحديد المسؤولية وذلك وفاء للمهام الموكلة إزاء المواطن الذي ينبغي أن يكون الشغل الشاغل لكل موظف عمومي، كما أمر الحكومة بتوخي أعلى درجات الحذر وتكثيف الرقابة ورفعها إلى مستوياتها العليا بوضع المنتجات الغذائية والفلاحية والأدوية أولوية الأولويات.
وتبنى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ وصوله إلى سدة الحكم في ديسمبر 2019، منهجية جديدة في إجراء التعديلات الحكومية، فكلما تأكد وجود حالة من التراخي في التسيير أو اختلالات في الأداء الوزراء، وعدم التقيد بالإرشادات الرئاسية يجري هذا الأخير تغيير حكومي سريع يشمل وزير أو وزيرين على الأكثر، وكان آخر تعديل حكومي مقتضب أجراه الرئيس تبون في ديسمبر الماضي، عندما تخلي عن خدمات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وغيره بمدير ديوانه السابق نذير العرباوي، وجاء هذا الإجراء بعد أيام قليلة فقط على إسداء الرئيس تبون أوامر خلال اجتماعات مجلس الوزراء بإحصاء ومتابعة وتقييم كل القرارات المتخذة وحصر ما لم يتم تطبيقه منها.
فؤاد ق
#أي #حكومة #سيختارها #الرئيس #لتسيير #المرحلة #المقبلة