الإصلاح التربوي تحت مجهر مجلس المحاسبة

حظي قطاع التعليم بأطواره الثلاثة بحيز واسع من التقرير السنوي لمجلس المحاسبة الذي تمت المصادقة في جويلية الماضي من طرف لجنة البرامج والتقارير، وقد سلط التقرير الذي تحوز “الجزائر الجديدة” على نسخة منه الضوء على جودة المناهج والبرامج والبرامج والأساليب والمقررات الواجب تصحيحها إضافة إلى التوقيت المدرسي إضافة إلى الأداء الأكاديمي للتلاميذ، وقد تم التركيز في هذا المحور على اللغات والرياضيات والتربية العلمية والتكنلوجية إضافة إلى أهم ظاهرة باتت اليوم تنخر قطاع التعليم وهي تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية.

وفي المستهل، ركز التقرير السنوي على جودة المناهج والبرامج إذ تم تسجيل اختلالات في البرامج والأساليب والمقررات والتوقيت المدرسي، وفي هذا المحور تم الاستدلال بما أفرزته وثيقة تخص “المدرسة الجزائرية ورهانات الجودة _الإطار الاستراتيجي 2015 _ 2030 والتي أكدت أن النظام المدرسي الجزائري يُعتبرُ من أدنى الأنظمة في العالم، فالحد النظري الأدنى المتمثل في 32 أسبوعيا سنويا لا يتم تحقيقه دوما دون احتساب الانقطاعات المتكررة عن العمل، وقد تم إجراء مقارنة بسيطة بين متوسط المدة السنوية للتعليم الابتدائي العالمي والأوروبي 36 و38 أسبوعيا على التوالي، كما اشتملت المقارنة دول المغرب العربي إذ أظهرت وجود اختلالات واضحة كانت على النحو الآتي: الجزائر 720 ساعة، تونس 960 ساعة وفرنسا 900 ساعة، وقد أحدث هذا قصور ملحوظ في تنظيم التوقيت المدرسي، بالإضافة إلى طغيان نشاط مراقبة المضامين على حساب مفهوم تقييم الكفاءات إلى تدريس متراكم وعدم اكتساب  المواد الأساسية التعليمية.

صعوبات في فهم اللغات

ومن الاستنتاجات والقراءات النوعية التي سلط عليها تقرير المحاسبة الضوء الأداء الأكاديمي للتلاميذ لا سيما من حيث اللغات، إذ ورد فيه أن غالبية التلاميذ يواجهون صعوبات في البحث عن المعلومات الضمنية في النص، كما أن إنتاج النصوص باللغتين العربية والفرنسية يُشكل عقبات هائلة أمام التلاميذ، فالعربية لغة التعليم والتحصيل وهي الوسيلة التي يتم من خلالها بناء التعلمات الأساسية من الناحية المعرفية، وعليه فإن اتقانها أمر حاسم في استيعاب التخصصات الأخرى بما في ذلك اللغات الأخرى التي يتم تدريسها، وبالنسبة لمادة الرياضيات فإنه لا يتم اكتساب عمليات التعرف على الموارد اللازمة وتوظيفها وإدماجها لحل المسائل وترتبط هذه الصعوبات بضعف العدة التعليمية المطبقة في سيرورة التعلم والتي لا تسمح للمعلمين أو التلاميذ بالانفصال عن الممارسات التقليدية التي يطبعها الحفظ واستعادة المعلومات.

التخصصات العلمية في أسفل الترتيب

وبالنسبة للتربية العلمية والتكنولوجية فإنها تقتصر على تناول المعرفة في القسم في حين يتعلق الأمر بتنمية الاتجاهات العلمية لدى التلاميذ كالقدرة على التفكير والتجريد والتحليل والتعميم والاستقرار والقياس والتوضيح والإشكال والنقد، وتظهر بيانات متعلقة بأداء التلاميذ في الامتحانات الرسمية على أن التخصصات الأدبية هي التي تحصل على أعلى المعدلات في حين تأتي التخصصات العلمية واللغات الأجنبية في أسفل الترتيب، وقد أدى ذلك إلى نفور فعلي من خيار التوجيه العلمي وخاصة التكنولوجي بين التلاميذ وأوليائهم، فعلى سبيل المثال في عام 2016، أظهر هيكل التعليم الثانوي تدني الاهتمام بشعب الرياضيات 03,46 بالمائة والتقني رياضي 11.13 بالمائة والتعليم التكنولوجي بنسبة 15.80 بالمائة وهو أقل من المعايير العالمية 30 بالمائة.

مدرسة بسرعتين بسبب “التحضيري”

كشف التقرير واستنادًا على إحصائيات قدمتها وزارة التربية الوطنية متعلقة بالسنة الدراسية 2020/ 2021 إلى أن نسبة التغطية الوطنية تقارب 59 بالمائة في هياكل القطاع و 79 بالمائة عند احتساب الشركاء الآخرين، وبالنتيجة فإن التلاميذ الذين يدخلون السنة الأولى من المدرسة الابتدائية لا يلتحقون بنفس فرص النجاح مع خطر تكريس مدرسة بسرعتين.

الدروس الخصوصية خارج مجهر الوزارة

أوصى تقرير مجلس المحاسبة مصالح وزارة التربية الوطنية بإيلاء اهتمام كبير لهذا النشاط لما له علاقة مباشرة بالمنظومة التربوية وتأثيرها على كافة مكوناتها، ولعل أبرز نقطة تم تسليط الضوء عليها أن هذه الظاهرة لم تكن موضع دراسة مناسبة من طرف الوزارة الوصية، فالتوصيات والتحريات والمقابلات التي أجريت مع مصالح الوزارة أظهرت غياب دراسات أو تحقيقات حديثة ومعمقة تتعلق بحجم وأسباب وأثر هذه الظاهرة التي يعتبرها الجميع نشاطا غير رسمي ينتشر بوتيرة متزايدة، إذ اقتصر التحليل على نقابات عمال التربية ووسائل الإعلام والاستطلاعات الجامعية.

وقد استند التقرير على أرقام وإحصائيات تعود إلى الفترة الممتدة بين 2012 و 2014، إذ بلغت نسبة التلاميذ الذين تابعوا دروسًا خصوصية خلال العام الدراسي 2012 /2013 في السنة الخامسة ابتدائي 40.90 بالمائة و 48,73 بالمائة في السنة الرابعة متوسط بينما بلغت هذه النسبة 66.91 بالمائة خلال العام الدراسي 2013/ 2014 في السنة الثالثة ثانوي، ولعل أبرز المواد طلبا للسنة الخامسة ابتدائي هي اللغة الفرنسية بنسبة 74.50 بالمائة، اللغة العربية بنسبة 64.60 بالمائة ثم الرياضيات بنسبة 57.20 بالمائة.

وأرجع التقرير تفاقم هذه الظاهرة إلى نقص الإشراف والمتابعة داخل المؤسسات التعليمية، وعدم القدرة على الاستيعاب الكافي لمقررات المواد الأساسية وضعف النتائج المدرسية والضغوط الاجتماعية للحصول على درجات أو مستويات أفضل، وكان لها عدة آثار اجتماعية واقتصادية من بينها عدم قدرة النظام التعليمي على الحفاظ على ثقة أولياء التلاميذ بالمدرسة باعتبارها مؤسسة تعليمية تهدف إلى أداء مهمتها على أكمل وجه مع تفاقم الفوارق الاجتماعية واستنزاف الموارد المالية للأسرة وتبعية التلميذ وإرهاقه وحرمانه من الراحة وأوقات الفراغ الضرورية لنموه المتوازن.

التربصات الميدانية للطلاب الأساتذة غير مقننة

نقل التقرير تحفظات وزارة التربية الوطنية على نوعية التكوين القاعدي المُقدم من طرف المدارس العليا للطلبة الأساتذة، وخصت هذه التحفظات أساسا برامج التكوين المقترحة التي لا تتعلق كفاية باحتياجات قطاع التربية فيما يخص التوجهات والخيارات التربوية والبيداغوجية ما نتج عنه ضعف تحكم الأساتذة في التقنيات المرتبطة بالمقاربة بالكفاءات.

كذلك سلطت الوزارة الضوء على وجود خلل في الجانب التطبيقي لتطوين الطلبة الأساتذة على مستوى المؤسسات التعليمية، حيث اعتبرت المدة المخصصة له غير كافية، باعتبار أن كيفيات وإجراءات التربصات الميدانية غير محددة مسبقًا وغير مدونة، كما أن التربصات الميدانية للطلاب الأساتذة غير خاضعة لتنظيم أو تقنين يضبطها، وكانت هذه الاختلالات محل إعادة نظر واسعة عام 2021د من خلال إعداد دفتر شروط يُحدد الخُصوصيات والمُؤهلات المطلوبة لكل طور تعليمي أما بخصوص الأساتذة الذين يتم توظيفهم عن طريق المسابقة أو الأساتذة المتعاقدين فإن تأهيلهم غير مكتمل نظرا لأن مسارهم الجامعي يفتقر لمقاييس أساسية لمزاولة مهنة التدريس.

المدارس العليا للأساتذة لا تلبي الغرض المطلوب

يبدو أن المدارس العليا للأساتذة لا تلبي الغرض المطلوب، فمن خلال معطيات وزارة التربية الوطنية خلال الفترة الممتدة بين 2017 إلى 2021، فلإن نسبة خريجي المدارس العليا في حالة خدمة لا تتعدى 5 بالمائة من مجموع أساتذة التعليم الابتدائي و 8 بالمائة من مجموع أساتذة التعليم المتوسط، ومن أجل سد هذا العجز الكبير لجأت الوزارة إلى القوائم الاحتياطية لمسابقات التوظيف لسنتي 2016 و 2017 كما لجأت إلى التعاقد وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على نوعية التعليم.

وأكد التقرير السالف الذكر أن تطور شبكة المدارس العليا لا يُساير الارتفاع السريع للطلب الاجتماعي على التربية، الأمر الذي أثر على تأهيل الأساتذة وأثر أيضًا على نوعية التعليم المقدم وعلى نتائج التحصيل الدراسي.

إقصاء الأساتذة المتعاقدين من التكوين التحضيري

يعتبر الأساتذة المتعاقدين، الفئة الأكثر تهميشا وحرمانا من مقررات الاستفادة من التكوينات في قطاع التربية رغم عددهم الكبير كل سنة، ويعود سبب ذلك حسب مسؤولي وزارة التربية الوطنية إلى الطابع المؤقت لتوظيفهم. وإلى عدم كفاية الموارد المالية المخصصة لجانب التكوين.

من خلال المعطيات المقدمة من طرف الوزارة الوصية، فإنه في الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021، تم توظيف أكثر من 60 ألف أستاذا متعاقدا في الطورين الابتدائي والمتوسط، وبلغت نسبتهم في سنة 2021 أكثر من 90%. بسبب عدم تنظيم مسابقة توظيف خلال هذه السنة وإلى قلة عدد المتخرجين من المدارس العليا.

 

وبحسب مضامين تقرير مجلس المحاسبة لعام 2024،لم يستفد هؤلاء الأساتذة الذين تجدد عقودهم بطريقة آلية من تكوين تحضيري. وتمثلت النشاطات المنظمة لصالحهم في ندوات واجتماعات وأنصاف يوم تكوينية يؤطرها مفتشو المقاطعات. حيث تدخل هذه النشاطات في إطار التكوين المستمر ولا تتعدى مدتها أربعة أيام في السنة. وهي تعني على وجه الخصوص، بتصحيح بعض الإختلالات والنقائص التي وقف عليها المفتشون.

إلى ذلك، فإن فحص برنامج وحصيلة التكوين المعدة من طرف الوزارة للفترة المعتبرة، تظهر نسبا متفاوتة للأساتذة المستفيدين من التكوين. حيث تتراوح بين 64 و 87% بالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي التكوين يتراوح بين 25000 و 75000. بالنسبة للطور الابتدائي وبين 30000 و 65000. وبين 61 و81% من أساتذة التعليم المتوسط، وهو ما يعني أن عدد الأساتذة الذين لم يستفيدوا من بالنسبة للطور المتوسط.

55 بالمائة من التلاميذ لا يكملون الدراسة

وسلط التقرير الضوء على الانخفاض الرهيب المسجل في التعليم المتوسط فيما يتعلق بمؤشر استكمال الدراسة مقارنة بالطور الابتدائي، بنسبة لا تتعدى 55 من المائة، وبالاستناد إلى مضامين آخر تقرير للمجلس، فعلى عكس الطور الابتدائي، تشير معطيات الوزارة إلى أن فرص تلاميذ الطور المتوسط في إتمام الدراسة منخفضة. إذ تتراوح بين 51 و 55% فقط، 90,7 منها خلال فترة 2022/2017.

وفي وقت توقع فيه مسؤولو القطاع بلوغ معدل 84% في عام 2025 وفي عام 2030. أكد القضاة أن هذه التوقعات مبالغ فيها، بالنظر إلى التطور التاريخي للقيم المتعلقة بها، أما معدل التسرب المدرسي في الطور المتوسط، فيقدر بنسبة تتجاوز 10% في السنة الرابعة. وهو ينطبق أيضا على نسبة إعادة السنة التي بلغت حوالي 16%. خلال فترة الرقابة خصوصا السنة الأولى متوسط بنسبة 20%.

وتبرز هذه البيانات ضعف فعالية النظام التربوي لهذا المستوى فيما يتعلق بهدف التعليم الإلزامي حتى سن 16 عاما. إذ تتراوح نسبة التلاميذ الذين لا يتمّون الأربع سنوات من الدراسة في المرحلة المتوسطة بين 45 و 49%، ووفقا لمسؤولي وزارة التربية الوطنية، ترتبط هذه الملاحظة بعدة عوامل خاصة ما يتعلق بصعوبة تكيف تلاميذ المدارس الابتدائية مع البيئة الجديدة، وفي ظل غياب دراسة معمقة حول هذه الظاهرة، تبقى الأسباب الحقيقية غير محصورة بدقة.

فؤاد ق

#الإصلاح #التربوي #تحت #مجهر #مجلس #المحاسبة

- Advertisement -spot_img

Stay Connected

0المشجعينمثل
0أتباعتابع
0المشتركينالاشتراك

Related Articles

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا